في عالمنا المادي، نظن غالباً أننا نلمس الأشياء بمجرد أن تلامس أيدينا أو أجسامنا أسطحاً مختلفة. هذا الشعور باللمس هو جزء من تجربتنا اليومية التي تُعطينا انطباعًا أننا نتواصل مع البيئة من حولنا بطريقة مباشرة. لكن ما قد يدهشنا هو أن الواقع الفيزيائي يقول لنا شيئًا مختلفًا تمامًا. على الرغم من أن شعورنا باللمس يبدو حقيقيًا، فإن فيزياء الكم تقدم لنا تفسيرات قد تغير تمامًا كيفية تصورنا لهذا "التلامس".
عندما نبحث عن تفسير علمي لهذا المفهوم، نجد أن المادة حولنا تتكون من ذرات، وهذه الذرات بدورها تتكون من نواة محاطة بمجالات من الإلكترونات التي تدور حولها. تُعتبر الذرات في الواقع في غاية الصغر، ولكن في الحقيقة، ما نراه على سطح المواد من حولنا ليس سوى جزء صغير من الكون الذي نحاول فهمه. وعلى الرغم من أن الذرة تعتبر الجزء الأساسي في تكوين كل ما حولنا، فإن 99.99% من حجم الذرة هو فراغ. وهذا الفراغ ليس فارغًا بشكل كامل، بل يحتوي على سحابة من الإلكترونات التي تتحرك بسرعة كبيرة، مما يعطي انطباعًا بأن المادة صلبة ومتماسكة، بينما هي في الواقع مجرد هياكل تسيطر عليها قوى كهرومغناطيسية.
لنفترض أنك تقوم بمسك هاتفك الذكي في يدك، أو تجلس على كرسي، أو حتى تضع إصبعك على سطح طاولة خشبية. من وجهة نظرنا اليومية، نشعر وكأننا نلمس هذه الأشياء بشكل مباشر. لكن من منظور فيزياء الكم، هذا "التلامس" ليس حقيقيًا بالمعنى الذي نعتقده. الواقع أن الذرات في يدك لا تلتقي بالذرات في الهاتف أو الكرسي. بل هناك دائمًا مسافة بينهما، رغم أننا لا نشعر بها. السبب في ذلك هو أن الإلكترونات في الذرات المتقاربة تحمل شحنات متشابهة (سالبة)، وبالتالي فإن قوى التنافر الكهرومغناطيسية تمنع هذه الذرات من التلامس الفعلي.
لنأخذ مثالاً آخر: إذا كنت تحتضن طفلك أو شخصًا آخر، ستشعر بتلامس جسدي، لكن هذا التلامس لا يعني أن الذرات في جسديكما تلتقي فعلاً. الحقيقة أن الإلكترونات في كل منكما تتنافر، وهو ما يخلق شعورًا بالكثافة والاتصال. هذا التنافر هو ما يعطينا الشعور بأننا نلمس أو نتلامس مع شيء ما. لكن في الواقع، نحن في حالة "طفو" فوق الأسطح التي نتفاعل معها على المستوى الذري.
إن هذه الظاهرة تُعيدنا إلى فكرة أن المادة ليست كما نراها، بل هي عبارة عن تكوينات معقدة من القوى والجسيمات الدقيقة التي تتفاعل مع بعضها البعض. فكل شيء حولنا، حتى وإن بدا صلبًا أو ثابتًا، هو في الحقيقة مكون من ذرات وأجزاء أصغر تتفاعل عن طريق قوى كهرومغناطيسية. وفي حين أن هذه القوى قد تمنعنا من التلامس المباشر مع المادة، إلا أنها تخلق تجربة حسية نعتقد فيها أننا نلمس الأشياء.
ما يجعل هذا الموضوع أكثر إثارة هو أن دماغنا، الذي يعالج الإشارات العصبية من الجلد والعضلات، يفسر هذه التفاعلات كإحساس باللمس. هذا التفسير هو نتيجة تفسير الدماغ لإشارات من نوع معين، مثل التنافر بين الإلكترونات، لكننا لا نكون في الواقع على اتصال مادي مباشر بالسطح الذي نشعر به. فالمسافة الصغيرة جدًا التي تفصل بين الإلكترونات هي السبب الذي يجعلنا نعتقد أننا نلامس الأشياء، بينما في الحقيقة نحن لا نلمسها حقًا.
قد يبدو هذا المفهوم غريبًا أو صعب الفهم في البداية، لكن النظر إلى الأمور من منظور فيزياء الكم يعطينا فرصة لفهم أعمق لماهية "الواقع". عندما نصل إلى عالم الذرات، نكتشف أن كل شيء مختلف عما اعتقدناه من قبل. ففي عالمنا المادي، يعتمد تصوّرنا للحقائق على الحواس الخمس التي تزودنا بتفسير مادي. لكن فيزيائيًا، ما نراه ونشعر به هو مجرد جزء من الصورة الكبرى التي تهيمن عليها القوى الأساسية التي لا نراها.6
هذا التفسير يُظهر لنا أيضًا كيف أن كل شيء من حولنا، من الهواء إلى الأشياء التي نلمسها، لا يعتبر شيئًا ماديًا ثابتًا كما نعتقد. فنحن نعيش في عالم مليء بالفراغات الدقيقة والفجوات التي نغفل عنها. عندما نتحدث عن المواد والفراغات، نحن نشير إلى ما هو أكبر بكثير من مجرد الأشياء التي نراها. من منظور فيزياء الكم، المادة والفراغ هما متداخلان بشكل غير متوقع، والشعور الذي نشعر به ليس أكثر من تفسير دماغي للواقع المعقد الذي نتعامل معه.
إن تصالحنا مع هذه المفاهيم قد يكون تحديًا نفسيًا وعقليًا. ربما نحتاج إلى إعادة التفكير في معنى "الحقيقة" نفسها في هذا السياق، وكيف يمكننا أن نعيش في عالم مادي يبدو حقيقيًا بالنسبة لنا، لكنه في الحقيقة ليس كما نظن. هذا هو ما يدفعنا إلى التساؤل: هل الحقيقة التي نعيشها هي الحقيقة الكاملة؟ وهل من الممكن أن تكون هناك مستويات أخرى من الواقع لا يمكننا إدراكها بشكل كامل؟
لذلك، عندما نقول أننا "نلمس" الأشياء، فإننا نُعبّر عن شعور بديهي ومباشر، ولكن في الحقيقة، نحن لا نلمسها فعلًا. ما نشعر به هو نتيجة لتفاعلات غير مرئية تحدث على المستوى الذري. وفي النهاية، قد يكون من الأجدر بنا أن نتقبل هذه الصدمة العقلية من عالم فيزياء الكم، وأن ندرك أن الواقع الذي نعيش فيه هو مجرد انعكاس لحقيقة أعظم من تلك التي نعرفها.
المصادر :
1. البوابة نيوز ALBAWABH NEWS
2. ساينس تون SCIENCE TONE
3. اكاديمية نيرونت NERONET ACADEMY
4. FUTURISM
5. THE ECONOMIC TIMES
هل نحن لا نلمس الأشياء حقا؟