بماذا تعود علينا ممارسة الهوايات؟ هل هي احتياج أساسي أم مجرد وسيلة للترفيه؟ بدأت أبحث عن إجابة واضحة لهذا السؤال في محاولة لفهم تأثير الهوايات على حياتنا، وهل تستحق حقًا أن نخصص لها وقتًا؟ وما التغيير الذي يمكن أن تحدثه ممارسة الهوايات في حياتنا؟...
كلمة "الهواية" تعود اصطلاحًا إلى الجذر "الهَوَى"، والذي يعني الميل إلى الشيء والرغبة فيه، كما يُقال: "هَوِيَ الشيءَ" أي أحبه وألفه، وتعددت المحاولات لتعريف مصطلح "الهواية" لشرحه بشكل واف، فمثلا قد عرف على أنه نشاط ترفيهي يمارسه الانسان عادة من أجل المتعة والاسترخاء (Crawford, G, 2009).
ومن منظور الشريعة الإسلامية، فيمكن القول أنها الممارسات التي یحبھا الإنسان، ویھوى الانخراط بھا بھدف الاستمتاع وتحصیل الفائدة، أثناء وقت الفراغ كما لابد أن تخضع لضوابط الشریعة الإسلامیة المتمثلة في المقاصد الخمسة وھي: حفظ الدین، وحفظ النفس، وحفظ العقل، وحفظ العرض، وحفظ المال.
كما وجب علينا توضيح الفروقات والارتباط الوثيق بين المفاهيم التالية الا وهي الموهبة والهواية والمهارة فقيل فيهم:
"فالموھبة ھي: استعدادیة الشخص لأن یكون ممیزا في مجال معین، بحیث تكون قدراته أفضل من غیره، فتؤھله لیبرز في مجاله.
والمھارة ھي: قدرة الشخص على أن یكون بارعا في مجال ما بحیث یفوق أقرانه.
والھوایة ھي: ممارسة الشخص لأمر یحبه ویشعره بالراحة.
والارتباط بین ما یحب الانسان، وما ھو ماھر بھ، وما ھو موھوب بھ غالبا ما یكون واحدا." (رعاية الهوايات دراسة تربوية مقاصدية، د. أمل عبد المحسن الحبشي).
وفي عصرنا هذا حيث أصبحت أيامنا مليئة بقائمة مهام لا تنتهي، نعيش مع خوف مستمر من المستقبل عوضا عن تقييم المكان الذي نقف به.
قد يظن الكثيرون أن الهوايات تدخل فقط في مفهوم اللهو لكن الحقيقة أن لها مفهوم أوسع من هذا، ولكن في الغالب يطلق عليها هواية لانها خارج إطار العمل الوظيفي.
في ضوء الشريعة الاسلامية:
هل أولت الشريعة الإسلامية اهتمامًا برعاية الهوايات؟ وإذا كان الأمر كذلك، فهل ساهم هذا الاهتمام في تحقيق نهضة المجتمع الإسلامي ورفعته؟
وقد قيل في هذا: " في زمن من الأزمان كان الناس یمارسون ویعملون ما یحبون وما یجیدون، فھناك صلة كبیرة بین ما یحب الانسان وما یتقن، فالحب باعث على الجودة والاتقان في الغالب. وجاء بعد ذلك زمن كالزمن الحالي یمارس الناس فیه وظیفة في أحیان كثیرة لا تكون موافقة لمحبوباتھم ومیولھم، بل ولا قدراتھم، یكون الاختیار بحسب الفرص المتاحة التي یفرضھا علیھم سوق العمل، فیضطرھم لذلك القانون والروتین في بلادھم ابتداء من الدراسة وبعد ذلك الوظیفة التي تعتبر مصدر رزقھم. ومن ھنا برز مفھوم العنایة بالھوایات، لما لھا دور كبیر في إعادة التوازن للفرد بعد یوم طویل من العمل، أو حتى قضاء الوقت بھا ھو نافع، من خلال إیجاد الشغف وممارسته فیما یحب الإنسان. وعند البحث في المصادر الشرعیة نرى بأن الحث على رعایة المھارات، وحسن استغلال المواھب كبیر خاصة في السیرة النبویة التي جاءت زاخرة بالمواقف التي تدل على توظیف النبي صلى االله علیه وسلم مواھب أصحابه الكرام في الدعوة الإسلامیة، وفي ذلك بیان للحكمة النبویة التي تقتضي توظیف الشخص المناسب في المكان المناسب، والمكان المناسب ھو ما یحبه الانسان ویبرع فیه.
ومن الأمثلة على ذلك؛ تعیین الصحابي الجلیل بلال بن رباح لیصدح صوته في الأذان في أرجاء المدینة المنورة، وذلك استغلالا لعذوبة صوته وإمكاناته، وھو ما یطلق علیه بلغتنا العصریة دعم للموھبة التي كان یتمتع بھا ھذا الصحابي الجلیل. وما توظیف الموھبة ھنا إلا رعایة لأمر یحبه ھذا الصحابي ویتقنه، وتلك الممارسة تعود على صاحبھا بالشعور بالاتزان النفسي، حیث یشعر أنه مھم في مكانه؛ فقد تم اختیاره لأنه متمیز عن غیره في أمر یخدم المجتمع ولم یتم تھمیشه، بل تم تقدي موھبته.
ومن الأمثلة كذلك الصحابي الجلیل خالد بن الولید حیث لقبه رسول االله صلى االله علیه وسلم بسیف االله المسلول لبراعته وحنكته العسكریة التي امتاز بھا، ولا شك بأن توجیه النبي صلى االله علیه وسلم كان له أثر كبیر على ھذا الصحابي، لیكون بعد ذلك قائدا عسكریا فذا قاد جیوش المسلمین في حروب الردة وفتح العراق والشام."(رعاية الهوايات دراسة تربوية مقاصدية، د. أمل عبد المحسن الحبشي).
في زمن طغت فيه مواقع التواصل الاجتماعي والألعاب الإلكترونية على أوقات فراغنا، أصبحنا نعاني من تشتت الذهن المستمر، ونُهدر ساعات طويلة دون فائدة تُذكر فنقضي هذه الساعات كالمغيّبين، نغرق في دوامة من المشاعر قصيرة الأمد، لنجد أنفسنا بعدها مثقلين بمشاعر سلبية وإحساس عميق بالفراغ.
ولو أننا استثمرنا هذا الوقت في ممارسة ما نحب وما ينفعنا، لدفعنا عن أنفسنا الضرر، وجلبنا لأنفسنا ولمجتمعنا فوائدعدة سواء بشكل مباشر أو غير مباشر.
أعتقد أننا الآن نستطيع أن ننظر إلى الهوايات في ضوء الشريعة الإسلامية وندرك أهميتها بشكل أوضح.
وبالفعل، بمجرد التأمل والتفكر في هذا الجانب، سنتمكن من تغيير نمط تفكيرنا المعتاد الذي يوهمنا بعدم وجود وقت كافٍ لممارسة الهوايات.
الفوائد المترتبة على ممارسة الهوايات:
- وسط انشغالات الإنسان اليومية، تخصيص وقت لممارسة الهوايات يساعد في تقليل التوتر والتخلص من الطاقة السلبية، مما يساعد على تجديد النشاط والاستعداد للعودة الى المهام بحيوية وإرادة أقوى.
- قضاء وقت الفراغ بشكل جيد ونافع فانشغال الانسان بما يريحه ويسعده يبعده عن الانغماس بما يضره فالمَشغول لا يُشغل.
- تساهم الأنشطة الحركية، مثل الرياضات، في الحفاظ على الصحة البدنية وتعزيز النشاط والقوة بشكل ملحوظ.
- من خلال ممارسة ما نحب، مثل الكتابة والرسم وغيرها، تؤثر الهوايات بشكل ملحوظ في تفريغ المشاعر السلبية مثل القلق والغضب والحزن.
- من الآثار الإيجابية الأخرى للهوايات هي تطوير الذات إذ يمارس العديد من الأشخاص الهوايات كنشاط بديل لقضاء الوقت بشكل فعال ومنتج.
- تساعد على تنظيم الوقت فعندما نخطط لنشاط معين في كل وقت من اليوم، سنسعى إلى القيام بوظائفنا وواجباتنا وإتمامها في أوقاتها المحددة، لنستطيع التفرغ لممارسة ما نحب.
وعلى سبيل المثال، يعتبر الرسم من الأنشطة التي تحمل فوائد عديدة، حيث يساعد الأشخاص في مختلف الأعمار الذين يعانون من مشاكل نفسية، ولهذا يُستخدم كطريقة علاجية تُعرف بـ "العلاج بالفن" (Art Therapy). وقد أثبت العلاج بالفن فعاليته في العديد من الجوانب، مثل بناء الثقة بالنفس، وتقليل الشعور بالوحدة، وتعزيز الانتماء. كما أظهرت الدراسات انخفاضًا في أعراض الاكتئاب، مما يبرز فعالية العلاج بالفن ويوضح كيف يمكن أن يكون مفيدًا لبعض الأشخاص الذين يعانون من مشاكل متعددة، خاصة خلال فترة انتشار جائحة COVID-19.
أهمية الهوايات في حياة الأطفال:
- تُعد الهوايات، مثل كرة القدم، التزلج، وركوب الدراجات، من الأنشطة التي تعزز الإبداع وتنمي التفكير لدى الأطفال، كما تبث في نفوسهم النشاط والحيوية.
- بالإضافة إلى ذلك، تساهم ممارسة الفنون، الرسم، القراءة، وجمع العملات في تطوير مهارات التفكير والتحليل، وتعزز من الحس الإبداعي لديهم.
- الهوايات التي تتضمن أنشطة جماعية، مثل كرة القدم وزراعة النباتات، تساهم بشكل كبير في تعزيز مهارات الأطفال الاجتماعية وتطوير قدرتهم على التواصل مع أقرانهم.
- تؤثر الهوايات بشكل إيجابي على الصحة النفسية للأطفال، حيث تعزز ثقتهم بأنفسهم، وتمنحهم شعورًا بالرضا الشخصي، إلى جانب إدخال البهجة والمتعة إلى حياتهم.
ويمكن للوالدين عبر ملاحظة نشاطات الطفل اليومية وما يستمتع به يوميا وحتى مرافقته لتجربة هوايات جديدة كمراقبة الطيور، التزلج وغيرهم الكثير.
أنواع الهوايات الشخصية:
لا يمكن حصر الهوايات في إطار محدد، لأنها تختلف باختلاف طبائع الأشخاص وبيئاتهم وتتنوع بتنوع الأزمنة والأمكنة
ولكن يمكننا وضع تصنيف بسيط قد يساعدنا على الحصول على فكرة بما نستطيع تجريبه:
- الهوايات الأدبية: مثل القراءة والمطالعة وكتابة الشعر والروايات، الالقاء والخطابة أو دراسة لغة أجنبية، والتدوين، وتعتبر هذه الهوايات الأدبية مهمة لإثراء العقل بالمعرفة وتطويره.
- الهوايات البدنية: وتتضمن مجموعة كبيرة من الأنشطة البدنية مثل، ركوب الخيل، ممارسة التمارين الرياضية والسباحة ويتم ممارسة هذه الهوايات والأنشطة البدنية بشكل فردي أو من خلال مجموعات.
- الهوايات الإبداعية : ترتبط هذه الهوايات بشكل أساسي بالفنون مثل الرسم ، والكتابة الإبداعية ، والتصوير ، والتطريز، الرسم على الجهاز، النحت، التشكيل، والخزف وما إلى ذلك.
- الهوايات المنزلية: حيث يتم ممارسة هذه الهوايات والأنشطة المنزلية بهدف المتعة وليس بهدف الواجب، مثل طهي الطعام، وصناعة الحلويات، الخياطة، التطريز وحياكة الصوف.
- الهوايات الخارجية: وهي مجموعة من الأنشطة التي يمكن ممارستها في الهواء الطلق مثل السير لمسافات طويلة، الركض، وركوب الدراجات الهوائية.
- هوايات التجميع: كهواية جمع العملات بمختلف أشكالها، هواية جمع الطوابع البريدية، جمع التحف والأنتيكات، وجمع الصدف وغيرها الكثير من الأمثلة.
المصادر:
- رعاية الهوايات دراسة تربوية مقاصدية، د. أمل عبد المحسن الحبشي.
- Drawing Hobby As a Medium to Manage Stress and Self-development Marcelina Hartono
- Hobbies And Mindfulness: Stress Reduction, Self Help and Modern Meditation Brian Linzenberg
الهوايات؟..